أمانى على تكتب: سيلفى مع الموسيقار بليغ حمدى


أدركت أنني كلما استمعت إلى غنوة وأجدها تنبض بالحياة أكتشف أن الموسيقار بليغ حمدي هو ملحنها وكأنه كان قاصدًا بذلك أن تتخطى شهرته جيله والأجيال التي تليه أيضًا، خطر على بالي أن أذهب إليه عن طريق آلة الزمن خاصتي، والتي وجدتها في الأغراض القديمة بسوق الجمعة، وقد لفتت نظري واقتنيتها إلى أن عرفت سرها في إحدى الليالي، وعلى الفور قررت أن أتوجه إلى مكتبه لمقابلته طمعًا في إجراء حوار صحفي معه، بالفعل ذهبت إليه ولكني لم أجده، وقال لي "سكرتيره" إنه ليست له مواعيد محددة، انتظرت قليلًا وخشيت أن يتأخر فقررت أن أنصرف.
لكن حالفني الحظ وقابلته في مدخل العمارة
- ابتسمت له قائلة مساء الخير يا أستاذ
بادلني الابتسامة ورد على سلامي
- اقتربت منه لكي أصافحه، فغازلني بكلمات رقيقة أطربتني، واستمرت ابتسامتي وأنا أخبره بأنني صحفية، وأريد أن أجري معه حوارًا صحفيًا، ولم أخبره بأنني من المستقبل.
فقال لي صعب أن أجري حوارًا صحفيًا، في الوقت الحالي، فلست في حالة مزاجية تسمح بذلك، ربما في يوم آخر، "أنا ظنيت إنك جاية تسمعيني صوتك".
- فأجبته، لا ليست لدي تلك الموهبة، هل من الممكن أن نتحدث قليلًا علي سبيل الدردشة.
طبعًا أهلًا وسهلًا.. ندردش وتسمعيني صوتك، ربما لديك موهبة الغناء.
وجدت أن الحديث فقط مع الأستاذ بليغ حمدي فرصة عظيمة، صعدنا وجلسنا سويًا وقال لي: "غني حاجة تكوني بتحبيها"، سألته، ولو كان صوتي وحش؟ قال لي: "هأعمل معاكي الحوار". تحمست جدًا كوني أعرف النتيجة مسبقًا، وبدأت أغني مقطعًا من أغنية "حب إيه"، وبعدما انتهيت، سألني مبتسمًا: "ها يا ستي عايزة تسأليني عن إيه في حوارك؟".
نظرت إليه مبتسمة، فقد وجدته شخصًا مرحًا وعفويًا في حديثه، وأنا أعشق هذه الصفات؛ لأنها تشبهني وأجيد الحديث مع أصحابها.. قاطع حديثي الخفي وسألني، اسمك إيه؟ بعد أن أخبرته سألني، وبتكتبي في جريدة إيه؟.. وهنا كان المأزق؟ فجريدة "الدستور" لم تتأسس في أواخر الثمانينيات، هل أدعي أنني من جريدة أخرى لأنقذ نفسي؟ لا ليس ذلك من أخلاق المهنة.
فجأة.. رن جرس التليفون، فرد الأستاذ واستمر في الترحيب بالمتصل، ربما كان رجلًا، هكذا لاحظت، أخبره المتصل بأنه قادم إليه، حيث رد الأستاذ سأنتظرك.
سالت الأستاذ إذا كان هناك ضيف قادم سوف أنهي حديثي معك سريعًا، فأخبرني لا داعي للعجلة، إنه صديق يعيش خارج مصر وينوي القدوم الأسبوع المقبل.
يلا نبدأ الحوار، تفضلي.
لاحظت أنه نسي سؤاله عن الجريدة، فقلت أرجوك أن تعتبرها مجرد دردشة وليس حوارًا صحفيًا بالمعني المعتاد.
- ما هو سر نجاح أعمالك الفنية؟
ياه من أولها كده عايزة تعرفي سر نجاحي إنتي لو كنتي تعرفيني كويس كنتي تعرفي إني معنديش أسرار، وحتي لو عندي ما بعرفش أخبيها، لكن أنا فاهم سؤالك وهأجاوبك عليه، سر نجاح أي عمل في حياة الإنسان هو حب العمل ذاته، حتي في أبسط الأمور التي نصنعها بشكل يومي دون أن نشعر، أنا أحب عملي، وكلما زاد هذا الحب زاد معه النجاح، أنا بلحن للحب كل أنواع الحب، الحُب العذري، الحُب من طرف واحد، الحُب الأناني، الحُب القويّ، الحُب الرّومانسي، الحُب غير المشروط، الحب العفوي، للعاشق والمعجب.
- ما هو سر تميز ألحانك عند المغنين والمستمعين؟ وماذا يقول أبناء الـ"كار" عن ألحانك؟
أسعي دائما لأن تتميز ألحاني بالسهولة وبوجود جملة لحنية تجد صدى عند المستمعين، لذلك تجد الكثير من الألحان عالقة بأذهانهم، وهذا يؤكد جنوني بالفن، لذلك علي كل ملحن أن ينتبه لمسافات ومقامات صوت المغني، كما ينتبه للحن، فاختيار الألحان السليمة يجب أن يُبني علي أساس مسافات ومقامات صوت المغني وكلمات الغنوة بشكل متساو، لضمان نجاح الغنوة،
"ولاد الكار يا ستي" أتذكر رأى محمد عبدالوهاب حين قال: "عندما أتأمل ما يقدمه بليغ حمدي أدرك أن هناك سرًا غير معلن بين بليغ والله سبحانه وتعالي، والسبب أن الله يلهم كل ملحن جملة موسيقية أو جملتين، تسمي بالسهل الممتنع مرة أو مرتين في العمر، بينما بليغ يلهم بتلك الجمل مرة كل أسبوع"، مبتسمًا، "طبعًا كلامه ليه أكتر من معني". أما عن رأى السيدة أم كلثوم كانت تقول: "بليغ حمدي نهر يتدفق بالنغم وأغفر له ما لا أغفره لغيره، فهو بمثابة ابني الذي تمنيته، ولا أحب أن يبدد فنه في الترع والمصارف، وكانت تقصد الأغاني التي أقدمها للإذاعة.
- لماذا لحنت أوبريت "تمر حنة" ولم تكتف بتلحين الأغاني؟
بداخلي طاقة فنية أكثر من مجرد تلحين غنوة، لذلك لحنت أوبريت "تمر حنة"، كما أنني أجد سبيلي في تلحين الأعمال الفنية مثل مسلسل "نحن لا نزرع الشوك" للفنانة شادية ويوسف السباعي ومسلسل "أوراق الورد" للفنانة وردة ومسرحية "ريا وسكينة".
- كيف كانت علاقتك بالفنان عبدالوهاب محمد، وما هو رأيه في ألحانك؟
عبد الوهاب صديقي الذي أعتز بصداقته، فهو شخص نقي ومحترم، كان دائمًا يقول بليغ زي "الكتكوت الفصيح من البيضة يصيح"، يرى أن ألحاني علامة مميزة ومتجددة من حيث الأسلوب، ثم "ضحك" وقال ده هو اللي بيقول، كانت بدايتنا الفنية معًا من خلال أغنية "ما تحبنيش بالشكل ده" للفنانة فايزة أحمد.
- هل عانيت من الغيرة الفنية؟
أغمض عينيه وقد بدا علي ملامحه التأثر، وقال الغيرة الفنية إذا كانت بدافع الارتقاء والتطوير فهذا مشروع، ونجد هذه الغيرة في كل المجالات وليس الفن فقط، لكن في بعض الأحيان هذه الغيرة تتحول إلى انتقام، كما حدث معي في حادث "سميرة مليان"، والذي تسبب في غربتي عن مصر طيلة خمس سنوات، وهذا كان صعبًا علي نفسي، وأنا أعلم جيدًا من كان وراء ذلك الحادث، وما هي دوافعه غير الشريفة وشعوره المتناقض تجاهي، كما أن هذا الحادث أتاح لي فرصة كبيرة لمعرفة حقيقة الكثيرين.
- سمعت أن الشيخ النقشبندي قال عنك إن جواك جني، كانت إيه المناسبة؟
ضاحكا وبصوت مرتفع، قال لا اسمعي الحدوتة من الأول، تشربي شاي معايا؟
- لا شكرًا.. بصراحة أنا جعانة، إيه رأي حضرتك أعزمك على الغداء في المكان اللي تحبه.
موافق هاوديكي مكان بحبه، بس أنا اللي هعزمك، يلا بينا.
- هانروح فين؟
تعالي بس صدقيني عزومة مش هتنسيها؟
- وافقت وذهبت مع الأستاذ حتي وصلنا مرسى لباخرة نيلية، أدركت علي الفور أن هناك شيئًا جميلًا ينتظرني، خاصة أن العود بصحبتنا، اتجهنا إلى داخل الباخرة، وكان هناك الكثير من السيدات والسادة يتناولون وجبة الغداء، لقد انتبه بعض السيدات إلى الأستاذ بليغ واكتفين بأن يبتسمن له، كذلك فعل بعض السادة والعاملين بالباخرة وجدت أمامي مشهدًا به الكثير من الأشخاص يجتمعون علي ابتسامة واحدة وتصورت أن تلك الرحلة في عام 2019 وقتها سيطلب كل شخص "صورة سيلفي"، لتسجيل مثل هذه اللحظة بتكنولوجيا العصر، أتمني أن أحظي أنا أيضًا بسيلفي مع الأستاذ بليغ، وأثناء اتجاهنا إلى المائدة، التي يقصدها الأستاذ، أخبرته علي الفور وقلت له" "اختيار موفق يا أستاذ بليغ".
- ليه اخترت المكان ده يا أستاذ؟
أصلها ساعة مغربية.. وأحلي مكان تقضي فيه ساعة المغربية في مصر.. هو جوه قلب حضن النيل وسط الهواء وقتها بس تحسي بالذاتية.
اخترنا مكانًا في مقدمة المركب وقمنا بطلب الغداء.
وبدأ يتحرك المركب وبدأ الهواء يزيد وكان مفعوله يعادل مفعول المهدئ الذي يسبق مرحلة التخدير في العمليات الجراحية، بالإضافة إلى رؤية مساحات خضراء كبيرة يفصلها نهر النيل ونحن نسبح بداخله، بدأت أفهم وجهة نظر الأستاذ في اختياره هذا المكان وهذه الأجواء.
"قاطع الأستاذ تفكيري" وسألني.. إيه رأيك مش كان معايا حق؟
- كل الحق يا أستاذ، فعًلا مكان مش هيتنسي، ما قلتليش إيه حكاية الشيخ النقشبندي؟
بقه شوفي يا ستي، كنت معزوم علي حفل خطوبة كريمة الرئيس الراحل أنور السادات في منزله بالقناطر الخيرية سنة 1972، كان معروفًا عن السادات حبه الإنشاد الديني بشكل عام وللنقشبندي بشكل خاص، وبالفعل بدأ الحفل بإنشاد ديني من الشيخ النقشبندي، وعلمت بعد ذلك أن النقشبندي كان ينوي أن يغادر بعد أن ينتهي من فقرة الإنشاد حتي لا يستمع إلى الأغاني، إلا أنه فوجئ بما لم يتوقع.
"وصل الغداء"
- لاحظت مدى إعجاب الجرسون بمشاهدته الأستاذ من خلال عينيه وهو يضع الأطباق على المائدة، وسرعان ما انتهي من وضعها بشكل منمق وسليم وانحني قليلا باتجاه الأستاذ وهو يقول "حضرتك شرفتنا النهارده يا أستاذ بليغ".
أجابه الأستاذ بعد أن نهض قليلًا من على مقعده واضعًا يده اليمني علي صدره مرددا "ده بنورك يا حبيبي.. إنت اسمك إيه؟".
- عماد يا أستاذ.
ده بنورك يا عماد بنورك حبيبي.
- دي محبة الناس لحضرتك يا أستاذ.
آه والله تصدقي كنت جعان، الكلمتين دول شبعوني الناس بتعيش طول ما هي بتاكل من الأكل ده، وأشار إلى المائدة، لكن لو مسمعتش كلام حلو نفسها بتنكسر وبتتسد عن الأكل ده "وأشار إلى المائدة للمرة الثانية"، وعن الحياة كلها.
- قررت أن أداعبه بسؤال "يعني حضرتك شبعت ومش هتاكل؟".
ضاحكا، أنا شبعت من الكلام الحلو، لكن ريحة الأكل الحلوة دي لسه.. هأكملك حكاية النقشبندي واحنا بناكل، وصلنا لغاية ما النقشبندي كان عايز يمشي أول ما يخلص، لكن الرئيس السادات طلب منه أن ينتظر، وقال له أريد أن أعرفك علي بليغ حمدي، كما أريد أن يكون بينكما تعاون فني، عاوز أسمع صوتك بألحان بليغ، وطلب الرئيس من وجدي الحكيم أن يقوم بفتح استديو خاص لنا، فاكر كويس شكل النقشبندي، ابتسم ابتسامة لا تريد الخروج للنور وكان محرجًا جدًا من طلب السادات، لكنه لم يظهر أي رد فعل يدل علي الرفض، بعدها تحدث النقشبندي مع وجدي الحكيم بشكل جانبي، وقال: "ما ينفعش أغني علي أنغام بليغ الراقصة.. بليغ ده بتاع أغاني حب وكلام فاضي، وأنا مش هأغني على آخر الزمن يا وجدي"، بالتأكيد كان هذا رأيه، لأنه كان يغني الابتهالات بدون موسيقى، اعتقادا منه أن الموسيقي تفسد خشوع الابتهالات وتحول الأنشودة الدينية إلى أغنيه طربية، وطلب من وجدي الحكيم أن يعتذر للسادات ولي، أصبح وجدي الحكيم في مأزق كيف يعتذر للسادات أو لي، خاصة أني كنت متحمسًا جدًا لدرجة أنني سبقتهما إلى الاستديو، نصحه الحكيم "حتي لا يسيء السادات فهم وجهة نظرك، اسمع أولًا ألحان بليغ، ثم تعتذر بحجة أنها غير مناسبة لك" فوافق النقشبندي، وذهب إلى الإذاعة مع الحكيم واتفقا على أنه يجلس معي في الاستديو لمدة نصف ساعة فقط، وبالفعل عاد وجدي بعد نصف ساعة ليري الشيخ النقشبندي جالسًا على الأرض وممسكًا بعمامته مرددًا "بليغ ده جن"، لم يتخيل النقشبندي أن نصف ساعة جمعتنا سويا تخرج رائعة "مولاي إني ببابك"، في الحقيقة ولا أنا، ووعدته بأن ألحاني له ستظل طوال العمر، كنت مبهورًا بصوته، لدرجة أنني طلبت من الفرقة الموسيقية أن تمشي وراء صوت النقشبندي، وطبعا هذا شيء مستحيل، لكني وجدت أن صوته قادر على أن يجمع كل المقامات الموسيقية، وبالفعل اتبعته الموسيقي وليس العكس، وعملنا سويًا "مولاي إني ببابك" و"ماشي في نور الله" ورباه يا من أناجي" و"يا رب أنا أمة أغفت وهبت ثانية" و"أيها الساهر" وكل شغلنا مع بعض قدمناه بلا مقابل مادي.
- كيف كانت بدأيه معرفتك بالسيدة أم كلثوم؟
كنت أحب فتاة لها عيون ساحرة ووجه مبتسم، دائما كنت أتمني أن نتزوج ونؤسس أسرة صغيرة، ولكنها أصيبت بمرض السل وأودعت أحد المستشفيات بشبرا وعندما سألت الطبيب عن حالتها أخبرني بأن تكلفة العلاج قد تصل إلى 500 جنيه أو أن تموت حبيبتي، وقع الكلام كان قاسيًا جدًا، وعلي الفور توجهت إلى الموسيقار محمد فوزي أطلب منه المبلغ وحكيت له عن السبب فشعرت بأن فوزي ظن أنني أكذب عليه، أو أنني لا أقول الحقيقة وقبل أن يتملكني الشعور بخيبة الأمل رن جرس تليفون فوزي، وكان الاتصال من السيدة أم كلثوم وجري بينهما حديث قصير لم أعرفه، وقال لي فوزي بعدها اذهب علي الفور للسيدة أم كلثوم فهي تنتظرك، وبالفعل ذهبت إليها وكل ظني أنها تريد أن تستمع إلى موسيقاي وكان معي العود، إلا أنها فور رؤيتي أنا وعودي قالت متسائلة، إنت فنان؟ فقلت لها أيوه، فقالت اترك العود هنا وخد الـ500 جنيه وروح أنقذ حبيبتك ولما ترجع ندندن سوا، ذهبت علي الفور وأنا في منتهي السعادة لإنقاذ حبيبتي، ولكني كنت أتمني أن تكون بداية معرفتي بأم كلثوم من خلال عمل فني وليس بمساعدة مادية، وصلت إلى المستشفى، ولكن بعد فوات الأوان، فقد أخبروني بأن الحبيبة قد لاقت ربها وارتاحت من ألمها وتركت لي ألم الفراق وضيق اليد، عدت مرة أخرى للسيدة أم كلثوم ورددت لها المبلغ وهو مبلل بدموع الفراق والحسرة وأخبرتها بأنها توفيت، فما كان منها إلا أن احتضنتني وواستني بكل العبارات الممكنة، في تلك اللحظة استطاعت أن تشعرني بأنني أصبحت بمثابة الابن الذي لم تنجبه، وكان هذا لقاءنا الأول.
أما بدأية عملي معها في اللقاء الثاني مع أم كلثوم في منزل الدكتور زكي سويدان، حيث كان يقيم سهرة فنية، وحضرت وكانت بصحبة الموسيقار محمد فوزي والفنان عبد الوهاب محمد، ولكني لم أحضر معي العود، وطلبت مني أم كلثوم أن أسمعها شيئًا علي سبيل الدندنة وأخبرتها بأنه ليس معي العود، أخذني الدكتور سويدان إلى غرفة مليئة بجميع الآلات الموسيقية وجلست بجانب أم كلثوم على الأرض كعادتي وأسمعتها مقدمة «حب إيه» وطلبت مني أن أكررها أكثر من مرة، لم تكن الغنوة أعدت خصيصا لها، ولم تكن لشخص بعينه، ولكنها صادفت هوى أم كلثوم لحداثة اللحن وجرأة الكلمات، كذلك غنوة «ظلمنا الحب»، فقد أخذتها في نفس اليوم ولكنها غنتها بعد أغنية «حب إيه» في موسم آخر، توالت بعد ذلك الأعمال بيننا فيما بعد، لتكون أغنية «حب إيه» هي أول أغنية تغنيها كوكب الشرق، وهي من كلمات عبد الوهاب محمد.
- في نهاية إجابته كنا قد انتهينا من الغداء، لنجد أن الأطباق ترفع في هدوء ويحل محلها صينية شاي وبها براد الشاي وبعض الحليب وطبق صغير به بعض أوراق النعناع وعدد من شرائح الليمون كذلك بعض قوالب السكر، سألني الأستاذ تحبي الشاي بإيه؟
- نعناع يا أستاذ
كام حتة سكر؟
- 2 كفاية
أخدنا الشاي واتجهنا إلى مقدمة الباخرة وسألته «احكيلي عن حبك للفنانة وردة؟»
وردة وهي دايمًا وردة، أتذكر أول لقاء لنا عندما رأيتها أدركت أن تلك المرأة خطفت قلبي وعند مصافحتها تأكدت أنه ستكون بيننا حياة، وبالفعل تزوجنا رغم المشاكل الكثيرة التي واجهتنا بسبب رفض أهلها زواجها مني، كنت أحرص دائمًا على أن أرسل لها الزهور بشكل يومي، حتي إنها قالت لي ذات يوم توقف عن إرسال الزهور، فهي بددت ثروة، وكنت دائمًا أجيبها «أعمل إيه بحبك؟» ولكنني لم أكتف بإرسال الزهور، بل كنت أبعث رسائل حب عن طريق بعض مقدمات أغاني الست أم كلثوم، كانت رسائل غير مباشرة مني لوردة، سواء كانت بعيدة عني أو معي في نفس البيت، ومنها مقدمة أغنية بعيد عنك، والحب كلّه، وسيرة الحب وأنساك.
«ابتسم» قائلًا عندما علمت أم كلثوم قالت لي ضاحكة «إنت بتشغّلني كوبري للبنت اللي بتحبها».
أنا عرفت بعد انفصالكما أن الفنانة ورده قالت للأستاذ وجدي الحكيم إنها ندمانة لأنكما انفصلتما، رد فعلك كان إيه على الكلام ده؟
تقدري تسميه انفصال الحبايب، المهم إن الحب موجود بينا حتى لو مش عايشين مع بعض كل اللي أقدر أقوله إنى هأفضل أردد اسم وردة لغاية آخر يوم في عمري.
- أسئلتي خلصت بس في الحقيقة مش حابة إن لقاءنا ينتهي.
«الحوار بتاعك أخد نص المسافة، النص التاني ندندن كلنا علي العود»، وبدأ الأستاذ بليغ حمدي بالعزف علي العود وبدأ الحاضرون فى الالتفاف حوله والاندماج مع ألحانه بالإنصات والتمايل، حتي انتهت الرحلة، وانتهي الأستاذ بليغ حمدي من عزفه ليتسابق الحاضرون بالتصفيق والإشادة بموسيقى لحنت لتبهر مستمعيها في كل جيل وينتهي بذلك يوم لا أستطيع إلا أن أتخيله.